اخبار محليةالأمناء نت

تقرير خاص : فساد الاستثمار.. خطر يهدد مستقبل عدن

تقرير خاص : فساد الاستثمار.. خطر يهدد مستقبل عدن

(الأمناء/ تقرير: رعد الريمي:)

ما أبرز قضايا الفساد بملف أراضي الاستثمار في العاصمة عدن؟

ما سر صمت الجهات المعنية عن ملفات فساد المستثمرين الذين انتهت عقود استثمارهم بعدن؟

من الأفراد والكيانات الشمالية الذين استولوا على أراضي بعدن تحت يافطة الاستثمار؟

ما موقف الجهات الرسمية ممن انتهت مدة استثماراتهم وغيروها بمشاريع أخرى غير قانونية؟

هل نرى إجراءات لتفعيل قوانين الاستثمار تحد من تجاوزات المستثمرين المخالفين؟

 

اعترى  ملف أراضي الاستثمار في العاصمة عدن كثيرٌ من الفساد المتراكم طيلة ثلاثة عقود، منذ توقيع اتفاقية الوحدة اليمنية في 1990 بين دولتي الجنوب والشمال. 

لقد شوَّه ذلك جمالية العاصمة الجنوبية عدن، وفتح الباب على مصراعيه لنهب أراضي المدينة تحت يافطة الاستثمار ومشاريعه التي احتكرتها بشكل رئيسٍ جهات شمالية حظيت بدعم سلطة الدولة الرسمية. 

وبلغ عدد المواقع المصروفة لأغراض الاستثمار في العاصمة عدن (238) موقعاً، بحسب التقرير النهائي لأعمال لجنة مناقشة قضايا أراضي الاستثمار في العاصمة عــــدن.

تفاوتت تلك الأراضي في مديريات ومناطق عدن. بعض المديريات كانت في صدارة تلك الأراضي كمديرية البريقة، مدينة الشعب، مديرية الشيخ عثمان، أحياء القاهرة، مديرية المنصورة، أحياء الدرين، أحياء الممدارة، مديرية دار سعد، مديرية خورمكسر، أحياء العريش، أحياء القلوعة، ومديرية التواهي.

 

مشاريع مخالفة:

وحول مشاريع الاستثمار التي مُنحت هذه الأراضي لأجلها، قال مندوب الأراضي في الهيئة العامة للاستثمار، خليل محمد سليمان: “هناك قلة قليلة من المشاريع التي تم تنفيذها وتحديدا للفترة ما بعد 2000، بخلاف ما شهدته كثير من الأراضي من البيع بالباطن”.

ويستعرض خليل جملة من المشاريع التي أخفقت قائلا: “الإخفاقات تتمثل في مشروع الفردوس في عدن. كان الفردوس مشروعا استثماريا كبيرا في منطقة عمران بالبريقة؛ غير أنَّه لم ينفذ إلى اليوم، وكذا مشروع جنان عدن الاستثماري إلى اليوم متعثر ولم ينفذ في ظل مسببات وظروف بعضها معلوم وبعضها مجهول”.

وتنوَّعت الأغراض المعلنة من قبل المستثمرين عند طلب الأراضي من الدولة في عدن. ووفقاً لعقود تم الحصول عليها، شمل ذلك: الصناعات الغذائية، والمشروبات، والتبغ، وصناعة الأقمشة والملبوسات، والجلود، وصناعة الأخشاب والمنتجات الخشبية، وصناعة الورق والمنتجات الورقية، والصناعات الكيماوية والبترول والفحم والمطاط والبلاستيك.

كما شملت أيضاً: صناعة مواد البناء، والأسمنت، والزجاج، والرخام، وصناعة المعادن والخردة، وصناعة المنتجات المعدنية والآلات والأجهزة، ومشاريع الكهرباء ومحطات تعبئة أسطوانات الغاز ونقل الغاز، ومحطات الوقود، والثلاجات المركزية، والبنوك، ومشاريع صيانة التلفزيون والراديو، ورشات صيانة السيارات والكهربائيات والساعات، وأستوديوهات التصوير، والمطاعم والكافتيريات، والفنادق والشاليهات.

وطبقاً للعقود والوثائق الرسمية، احتلت مجموعة من الأسماء الشمالية [أفرادًا وكيانات] قائمة المستثمرين الذين مُنحت لهم أراضي في عدن لإقامة مشاريع استثمارية لم يتم تنفيذ أي منها؛ فيما تم الاستيلاء على هذه الأراضي تحت يافطتها.

وجاء على رأس هذه الأسماء: “مجموعة هائل سعيد أنعم، وناجي صالح الرويشان، وعلي ناصر قاسم الشميري، وعبد الكريم يحيى مشناص الوادعي، ومجاهد صالح علي الديلي، ومحمد أحمد الكهالي، وحمود صالح كامل وشركاؤه، ومجموعة ثغر عدن للسياحة، ومحمد عثمان العريفة، ونبيل هائل سعيد أنعم، ومحمد أحمد الأكوع، وأحمد صالح الصاعدي. 

وحول هذا، قال الأكاديمي بجامعة عدن، عوض الشعبي: “هناك مساحات واسعة مُنحت للمستثمرين لم يتم تنفيذ أيًا من المشاريع فيها”.

وأضاف الشعبي: “البعض من المستثمرين تجاوز المدة الزمنية المحددة للاستثمار في العقار الممنوح له؛ والبعض أخل بالاتفاق مستغلا علاقاته الشخصية في عهد النظام السابق؛ والبعض ترك هذه المساحات كما هي دون استثمارها وكأنَّها ملك من أملاكه. ووفقاً لقانون الاستثمار، تعود ملكية أي أرض مُنحت لمستثمر ومر عليها أربعة أعوام دون إنجاز المشروع المحدد إلى الدولة”.

وتابع: “في مديرية الشيخ عثمان مثلاً، يعد مشروع باطويل الاستثماري أهم مشروع استثماري في المديرية، حيث تم استقطاع مساحة واسعة من ملعب حامد الذي تعود ملكيته لنادي الوحدة الرياضي، وتم تعميدها لبناء محالّ تجارية من قبل المستثمر باطويل، وبعد انتهاء مدة الاستثمار المتفق عليها والمحددة في نص عقد المنحة العقد وهي 20 سنة تعود ملكيتها لنادي الوحدة الرياضي، ولكن للأسف هذا المشروع ما زال باطويل يستثمره وكأنه ملك من أملاكه، وهناك الكثير والكثير إذا تم البحث باستفاضة”.

بالإضافة لانتهاء الفترات الممنوحة لبعض المستثمرين لإقامة مشاريع استثمارية، غيَّر آخرون الوظيفة الأساسية التي صُرفت قطعة من أراضي الدولة لأجلها إلى وظائف ومشاريع أخرى بشكل غير قانوني أضر بواقع عدن وبيئتها، كأن تكون منحة الأرض لمشروع استثماري ترفيهي سياحي لتتحول إلى مشروع استثماري صحي؛ أو العكس.

وعن الأمر، قال مدير عام السياحة في مديرية صيرة، أحمد السلامي: “هناك مواقع عدة خُصصت للاستثمار داخل مديرية كريتر بالعاصمة عدن، غير أنَّ طبيعة تلك الأرض ووظيفة تلك المنحة تغيرت. ومنها مستوصف بابل الذي صُرفت أرضه بالأصل لإقامة مشروع سياحي؛ ليتحول إلى مشروع طبي”. 

وأضاف: “الأخطاء الاستثمارية في عدن أيضاً كثيرة جداً؛ ومنها فندق الرحاب، الذي بُني بالقرب من منشأة سيادية، هي مطار عدن. علاوة على ذلك، الحركة الجوية سبَّبت كثيراً من إزعاج لساكني الفندق”. وأكد السلامي على ضرورة اتسام ملف الاستثمار “بمزيد من المنهجية العلمية العملية”.

وأضاف: “عدد ممن تولوا أعمال إدارة السياحية لم يكونوا على قدر المسؤولية. إنَّ المفترض أن يكون هنالك آلية معينة في منح الأراضي. لا بد أن تكون هناك دراسة، ووثائق، وخلفية تعريفية عن المستثمر وكذا الخلفية المالية والبنكية، ووجود دراسة عن المشروع، والمنشأة. ويجب الأخذ بمتطلبات كل منشأة، مثلا إذا كان فندقًا: كم نجوم؟ وما هي احتياجاته؟ وهكذا…”.

ووفقا لدراسات ، فإنَّ قضايا الأراضي الممنوحة في العاصمة عدن لأغراض الاستثمار يكتنفها كثير من الإشكالات، ارتقى بعضها إلى قضايا فساد، نظير ما حدث في الأراضي التي مُنحت لمستثمرين لأغراض الاستثمار، غير أنَّها بيعت بشكل سري. إنَّه الأمر الذي يجعل مستقبل أراضي عدن لأغراض الاستثمار على المحك، ويهدد الرؤية الاستشرافية والاستراتيجية لعالمية مدينة عدن مستقبلاً.

 

مخطط عام لعدن يظهر أراضي الاستثمار في المدينة  

تقاعس وتواطؤ جهات حكومية ساهم بشكل كبير في استفحال الفساد والتجاوزات في ملف أراضي الاستثمار في عدن. لقد غابت الإجراءات الحكومية المفترضة مع المستثمرين الذين انتهت مدة العقود الممنوحة لهم دون إنجاز أي مشاريع، والمستثمرين الذين باعوا الأراضي الممنوحة لهم بشكل سري، بالإضافة للمستثمرين الذين أقاموا مشاريع مختلفة عمَّا تم الاتفاق عليه عند منحهم أراضي من الدولة. 

وبالنظر في الملفات والوثائق الخاصة التي حصلت عليها “الأمناء”، وفرز حالات الاستثمار فيها، يمكن تصنيف الأراضي الممنوحة للمستثمرين إلى: 

– أراض بيد مستثمرين إجراءاتهم مستكملة بما فيها استلامهم لعقود التأجير وإشعارات التنفيذ، وعليه يتم بدء العمل فيها أو تسحب.

– أراضٍ بيد مستثمرين إجراءاتهم غير مستكملة وينقصها بشكل أساسي وحدات الجوار ووثائق الأرض.

– أراضٍ شهدت نزاعات مع جهات حكومية.

– أراض صرفت باسم الاستثمار وتم وضعها في قوائم المستثمرين وتم التأكد أن هذه المشاريع قد صرفت بعد ذلك لجهات أخرى ولأغراض غير استثمارية. 

ونحتفظ بقوائم المستثمرين والأراضي التي مُنحت لهم، وهي قوائم موثقة رسميًا وصادرة من جهات حكومية بالعاصمة عدن.

بشكل أساسي، تهم الفساد في ملف أراضي الاستثمار موجهة نحو من تولوا منصب محافظ عدن، وكذا مدراء فرع الهيئة العامة للاستثمار، ومدراء مكتب الأشغال العامة والطرق، ومدراء مصلحة أراضي وعقارات الدولة، ومدراء الهيئة العامة للسياحة في المحافظة.

 

حلول مقترحة:

في 2005، قدمت شركة “ماستر بلان” البريطانية المتخصصة بصناعة المدن الحضرية مشروعاً لتوزيع استخدامات الأرض في عدن بشكل حضري، إلا أنَّ المشروع حتَّى اليوم لم يُنفذ منه شيء.

وحول ذلك، قال مدير مديرية صيرة سابقاً، إبراهيم منيعم: “خطة ماستر بلان لم تُقرأ، وهي خطة دولية حدَّدت مقدار احتياجات عدن للبناء السكني والاستثماري بأنواعه وغيرها للحفاظ على عالمية مدينة عدن، وعدم السماح باستنفاد رصيد عالمية هذه المدينة”.

وقد أوصت لجنة مُشكلة من قبل السلطة المحلية في عدن، عبر تقرير لها في 2003، للنظر في قضايا الاستثمار ومنح الأراضي بعدة إجراءات للحد من تجاوزات المستثمرين المخالفة للقانون وتفعيل قوانين الاستثمار.

 وأوصت اللجنة بأنَّه “يجب وضع محددات تُعرف من خلالها المشاريع الاستثمارية التي تحصل على مزايا وتسهيلات للحصول على الأرض. كما أوصت اللجنة ألَّا تقل قيمة المشروع الاستثماري عن 100 مليون ريال، وأن يتضمن المشروع خلق فرص عمل بحيث لا تقل عن عشرين وظيفة، وألا تمنح مشاريع استثمارية إلا في المواقع المخططة لذلك، وأن يودع المستثمر ضمانا بنكيا بنسبة من قيمة المشروع أو القيمة كاملة، وأن تصدر وثيقة استثمارية قانونية للمستثمر”.

كما أوصت اللجنة أن “تُرافق هذه المحددات بمجموعة من الإجراءات الإدارية والتنظيمية بهدف تسهيل الإجراءات للمستثمر، وكذا متابعة ومرافقة تنفيذ هذه المشاريع والتأكد من استخدامات الأرض للغرض الذي صرفت له بموجب البرامج الزمنية المتفق عليها”.

مدير السياحة في مديرية صيرة، أحمد السلامي، قال: “تقع مسؤولية ضبط الأراضي الاستثمارية على عاتق عدة جهات حكومية محلية أو وزارية من خلال تنسيق مشترك تفاديا للإخلال نظير ما حدث لمدينة (المدائن) الاستثمارية السكنية في مديرية دار سعد، حيث بنيت بجانب مجاري مياه صرف صحي ما جعل الساكنين فيها يقررون العزوف عن الشراء والسكن فيها لكون المنطقة تعاني من انتشار البعوض”.

 

وفي 2016، قدَّمت جمعية حماية ميناء عدن ورقة إلى محافظ عدن آنذاك، اللواء عيدروس الزبيدي، تحدثت عن مواطن الفساد الذي يعانيه ميناء المعلا، وفساد “اتفاقية رصيف هائل سعيد أنعم في رصيف المعلا”. وأوصت الجمعية بأن يتم إلغاء الاتفاق وتشغيل ذلك الرصيف من قبل مؤسسة خليج عدن.

كما تحدثت ورقة للجمعية، قُدمت لرئيس الوزراء اليمني السابق، محمد باسندوه، في 2013، عن مخالفة شركة وديان للتجارة المحدودة التابعة لرشاد هائل سعيد أنعم بعد أن قامت بردم مساحات في منطقة حجيف بمديرية التواهي لمسافة تزيد عن 19 مترًا مربعًا عام 1997. 

 وأوصت الجمعية بإلغاء العقد واستعادة المساحة المخالفة من المستأجر وفق بنود العقد، وعدم استخدام المساحة كون الردم من قبل المستأجر تم دون مسوغ قانوني.

 

الوضع الحالي:

حتَّى الآن لم يتم اتخاذ أي إجراءات من قبل الجهات الحكومية أو السلطات المحلية التي تعاقبت على حكم عدن تجاه القضايا المذكورة وعشرات القضايا الأخرى، بل إنَّ قضايا الفساد بملف أراضي الاستثمار ازدادت أكثر وسط مخاوف من عواقب صمت وغياب وتواطؤ الجهات ذات الصلة. 



المصدر

جوجل نيوز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى